الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
وقول الله تعالى: هذا الترتيب الذي ذكره المؤلف من أحسن ما يكون؛ لأنه لما ذكر توحيد الإنسان بنفسه ذكر دعوة غيره إلى ذلك؛ لأنه لا يتم الإيمان إلا إذا دعا إلى التوحيد، قال تعالى: فلا بد مع التوحيد من الدعوة إليه، وإلا؛ كان ناقصًا، ولا ريب أن هذا الذي سلك سبيل التوحيد لم يسلكه إلا وهو يرى أنه أفضل سبيل، وإذا كان صادقًا في اعتقاده؛ فلابد أن يكون داعيًا إليه والدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله من تمام التوحيد، ولا يتم التوحيد إلا به. * * * قوله: سبيل: طريقي. قوله: {أدعو}، حال من الياء في قوله: {سبيلي}، ويحتمل أن تكون استئنافًا لبيان تلك السبيل. وقوله: {إلى الله}؛ لأن الدعاة إلى الله ينقسمون إلى قسمين: 1ـ داع إلى الله. 2ـ داع إلى غيره. فالداعي إلى الله تعالى هوالمخلص الذي يريد أن يوصل الناس إلى الله تعالى. والداعي إلى غيره قد يكون داعيًا إلى نفسه، يدعوإلى الحق لأجل أن يعظم بين الناس ويحترم، ولهذا تجده يغضب إذا لم يفعل الناس ما أمره به، ولا يغضب إذا ارتكبوا نهيًا أعظم منه، لكن لم يدع إلى تركه. وقد يكون داعيًا إلى رئيسه كما يوجد في كثير من الدول من علماء الضلال من علماء الدول، لا علماء الملل، يدعوإلى رؤسائهم. من ذلك لما ظهرت الاشتراكية في البلاد العربية قام بعض علماء الضلال بالاستدلال عليها بآيات وأحاديث بعيدة الدلالة، بل ليس فيها دلالة؛ فهؤلاء دعوا إلى غير الله. ومن دعا إلى الله ثم رأى الناس فارين منه؛ فلا ييأس، ويترك الدعوة، فإن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعلي: يعني: أن اهتداء رجل واحد من قبائل اليهود خير لك من حمر النعم، فإذا دعا إلى الله ولم يجب؛ فليكن غضبه من أجل أن الحق لم يتبع، لا لأنه لم يجب، فإذا كان يغضب لهذا: فمعناه أنه يدعوإلى الله، فإذا استجاب واحد؛ فقد أبرأ ذمته أيضًا. وفي الحديث: ثم إنه يكفي من الدعوة إلى الحق والتحذير من الباطل أن يتبين للناس أن هذا حق وهذا باطل؛ لأن الناس إذا سكتوا عن بيان الحق، وأقر الباطل مع طول الزمن؛ ينقلب الحق باطلًا، والباطل حق. قوله: (على بصيرة)، أي: علم؛ فتضمنت هذه الدعوة الإخلاص والعلم؛ لأن أكثر ما يفسد الدعوة عدم الإخلاص، أو عدم العلم، وليس المقصود بالعلم في قوله (على بصيرة) العلم بالشرع فقط، بل يشمل: العلم بالشرع، والعلم بحال المدعو، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود، وهو الحكمة. فيكون بصيرًا بحكم الشرع، وبصيرًا بحال المدعو، وبصيرًا بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ: وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما بعث معاذًا إلى اليمن؛ قال له: حنين إلى مئة بعير [البخاري: كتاب الخمس / باب ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعطي المؤلفة، ومسلم: كتاب الزكاة/ باب إعطاء المؤلفة.]، فهذا كله من الحكمة؛ فالجاهل لا يصلح للدعوة، وليس محمودًا، وليست طريقته طريقة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الجاهل يفسد أكثر مما يصلح. قوله: الأول: {أنا} مبتدأ، وخبرها {على بصيرة}، {ومن اتبعني} معطوفة على {أنا}؛ أي: أنا ومن اتبعني على بصيرة؛ أي: في عبادتي ودعوتي. الثاني: {أنا} توكيد للضمير المستتر في قوله: (أدعو)؛ أي: أدعو أنا إلى الله ومن اتبعني يدعو أيضًا؛ أي: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله ويدعو من اتبعني، وكلانا على بصيرة. قوله: {وسبحان الله}، أي: أن أكون أدعو على غير بصيرة! وإعراب {سبحان}: مفعول مطلق عامله محذوف تقديره أسبح. قوله: * * * قوله (أي: قول ابن عباس): (بعث معاذًا)، أي: أرسله، وبعثه على صفة المعلم والحاكم والداعي، وبعثه في ربيع الأول سنة عشرة من الهجرة، وهذا هوالمشهور، وبعثه هو وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما، بعث معاذًا إلى صنعاء وما حولها، وأبا موسى إلى عدن وما حولها، وأمرهما: قوله: (لما)، إعرابها شرطية، وهي حرف وجود لوجود، و(لو): حرف امتناع لا متناع، و(لولا) حرف امتناع لوجود. قوله: 1ـ الوحي. 2ـ العلم والتجربة. قوله: (من) بيانية، والمراد بالكتاب: التوراة والإنجيل؛ فيكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وهم أكثر أهل اليمن في ذلك الوقت، وإن كان في اليمن مشركون؛ لكن الأكثر اليهود والنصارى، ولهذا اعتمد الأكثر. وأخبره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك؛ لأمرين: الأول: أن يكون بصيرًا بأحوال من يدعو. الثاني: أن يكون مستعدًا لهم؛ لأنهم أهل كتاب، وعندهم علم. قوله: (فليكن)، الفاء للاستئناف أو عاطفة، واللام للأمر، و(أول): اسم يكن، وخبرها (شهادة) وقيل العكس، يعني (أول) خبر مقدم (وشهادة) اسم يكن مؤخرًا. والظاهر أنه يريد أن يبين أن أول ما يكون هي الشهادة، وإذا كان كذلك؛ يكون (أول) مرفوعًا على أنه اسم يكون؛ أي: أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله. قوله: (شهادة)، الشهادة هنا من العلم، قال تعالى: فلو اعتقد بقلبه، ولم يقل بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه ليس بملسم بالإجماع حتى ينطق بها؛ لأن كلمة أشهد تدل على الإخبار، والإخبار متضمن للنطق، فلابد من النطق؛ فالنية فقط لا تجزئ، ولا تنفعه عند الله حتى ينطق، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمه أبي طالب: (قل) [البخاري: كتاب الجنائز/ باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، ومسلم: كتاب الإيمان/ باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت.]، ولم يقل: اعتقد أن لا إله إلا الله. قوله: (لا إله)، أي: لا معبود؛ فإله بمعنى مألوه؛ فهوفعال بمعنى مفعول، وعند المتكلمين: إله بمعنى آله؛ فهو اسم فاعل، وعليه يكون معنى لا إله؛ أي: لا قادر على الاختراع، وهذا باطل [انظر (ص 53).]، ولو قيل بهذا المعنى؛ لكان المشركون الذين قاتلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موحدين لأنهم يقرون به، قال تعالى: (وفي رواية: إلى أن يوحدوا الله)، فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك؛ فإياك وكرائم أموالهم، واتقى دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). أخرجاه [تقدم تخريجه (119)0]. فإن قيل: كيف يقال: لا معبود إلا الله، والمشركون يعبدون أصنامهم؟! أجيب: بأنهم يعبدونها بغير حق؛ فهم وإن سموها آلهة؛ فألوهيتها باطلة، وليست معبودات بحق، ولذلك إذا مسهم الضر؛ لجئوا إلى الله تعالى، وأخلصوا له الدين، وعلى هذا لا تستحق أن تسمى آلهة. فهم يعبدونها ويعترفون بأنهم لا يعبدونها إلا لأجل أن تقربهم إلى الله فقط؛ فجعلوها وسيلة وذريعة، وبهذا التقدير لا يرد علينا إشكال في قول الرسل لقومهم: وفي قوله: (لا إله إلا الله) نفي الألوهية لغير الله، وإثباتها لله، ولهذا جاءت بطريق الحصر. * * * ولهما عن سهل بن سعد (رضي الله عنه): أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر: قوله: (لأعطين)، هذه جملة مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم المقدر، واللام، والنون، والتقدير: والله لأعطين. قوله: (الراية)، العلم، وسمي راية؛ لأنه يرى، وهوما يتخذه أمير الجيش للعلامة على مكانه. واللواء؛ قيل: إنه الراية، وقيل: ما لوي أعلاه، أولوي كله؛ فيكون الفرق بينهما: أن الراية مفلولة لا تطوى، واللواء يطوى إما أعلاه أوكله، والمقصود منهما الدلالة، ولهذا يسمى علمًا. قوله: (غدًا)، يراد به ما بعد اليوم، والأمس يراد به ما قبله. والأصل أنه يراد بالغد ما يلي يومك، ويراد بالأمس الذي يليه يومك، وقد يراد بالغد ما وراء ذلك، قال تعالى: وكذلك بالأمس قد يراد به ما وراء ذلك؛ أي: ما وراء اليوم الذي يليه يومك. قوله: فقال: للكلام عن ظاهره مخالف لإجماع السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، ومحبة الله تعالى ثابتة له حقيقة وهي من صفاته الفعلية، وكل شيء من صفات الله يكون له سبب؛ فهو من الصفات الفعلية، والمحبة لها سبب؛ فقد يبغض الله إنسانًا في وقت ويحبه في وقت لسبب من الأسباب. قوله: (على يديه)، أي يفتح خيبر على يديه، وفي ذلك بشارة بالنصر. قوله: (يدركون)، أي: يخوضون، وجملة يدركون خبر بات. قوله: (غدوا على رسول الله)، أي: ذهبوا إليه في الغدوة مبكرين، كلهم يرجوأن يعطاها لينال محبة الله ورسوله. قوله: قوله: وقوله: قوله: (فأتى به)، كأنه رضي الله عنه قد عمم على عينيه؛ لأن قوله: (أتي به) أي: يقاد. وقوله: قوله: (فبرأ)، هذا من آيات الله الدالة على قدرته وصدق رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهذا من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي رضي الله عنه: أنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؛ لتخصيص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له ذلك من بين سائرالصحابة. قوله: قوله: وهذا إذا كنا على الوصف الذي عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، أما إذا كنا على وصف القومية، فإننا لونزلنا في أحضانهم؛ فمن الممكن أن يقوموا ونكون في الأسفل. قوله: (ثم ادعهم)، أي: أهل خيبر، (إلى الإسلام)؛ أي: الاستسلام لله. قوله: وهذه المسألة يتردد الإنسان فيها: هل يخبرهم بما يجب عليهم من حق الله في الإسلام قبل أن يسلموا أوبعده؟ فإذا نظرنا إلى ظاهر حديث معاذ وحديث سهل هذا؛ فإننا نقول: الأولى أن تدعوه للإسلام، وإذا أسلم تخبره. وإذا نظرنا إلى واقع الناس الآن، وأنهم لا يسلمون عن اقتناع؛ فقد يسلم، وإذا أخبرته ربما يرجع، قلنا: يخبرون أولًا بما يجب عليهم من حق الله فيه؛ لئلا يرتدوا عن الإسلام بعد إخبارهم بما يجب عليهم، وحينئذ يجب قتلهم لأنهم مرتدون. ويحتمل أن يقال: تترك هذه المسألة للواقع وما تقتضيه المصلحة من تقديم هذا أوهذا. قوله: (لأن يهدي الله)، اللام واقعة في جواب القسم، وأن بفتح الهمزة مصدرية، ويهدي مؤول بالمصدر مبتدأ، و(خير): خبر، ونظيرها قوله تعالى: قوله: (حمر النعم) بتسكين الميم: جمع أحمر، وبالضم: جمع حمار، والمراد الأول. وحمر النعم: هي الإبل الحمراء، وذكرها لأنها مرغوبة عند العرب، وهي أحسن وأنفس ما يكون من الإبل عندهم. وقوله:
|